أهلاً ومرحبًا بكم في مجموعة قصصية جديدة نقدمها لكم في مدونة قصة لكل جيل، مجموعتنا اليوم هي عبارة عن 5 قصص اطفال قبل النوم تمت كتابتهم بأسلوب جذاب ومرح للأطفال.
القصة الأولى: الغراب والثعلب المكار
في يوم من الأيام، رأى ثعلبٌ غرابًا يطير وفي منقاره قطعة من الجبن، ثم حطّ الغراب على غصن شجرة ليستمتع بغنيمته، فقال الثعلب في نفسه: "هذه لي، فأنا الثعلب الماكر!" وسار نحو الشجرة التي استقر الغراب على أحد أغصانها.ناداه قائلًا: "مرحبًا أيتها الغراب الجميلة! ما أروع ريشك اللامع، وما أبهى عينيك اللامعتين! لا شك أن صوتك عذب كجمال مظهرك، هلّا أتحفتني بأغنية واحدة، كي أُحييك كملكة الطيور؟"
اغترّ الغراب بكلمات الثعلب المعسولة، ورفع رأسه وفتح فاه ليُطلق صوته، ولكن ما إن فتح منقاره حتى سقطت قطعة الجبن على الأرض، فانقضّ الثعلب عليها والتهمها على الفور.
ثم نظر إلى الغراب ضاحكًا وقال: "هذا يكفي! لقد حصلتُ على ما أريد، وها أنا أعطيك نصيحة مقابل جبنتك: لا تصدّق المادحين ولا تنخدع بكلام المتملقين."
القصة الثانية: الدب سالم والصياد الجائع
في أحد أيام أواخر شهر نوفمبر، وبينما كان الدب سالم جالسًا يتناول عشاءه المكوّن من الخبز الأسمر والفاصولياء، إذا بباب كوخه الخشبي يُفتح بقوة، ويدخل رجل عليه آثار التعب والبرد.
داس الرجل بقدميه المغطّاتين بالفراء على ممسحة الباب ليزيل عنهما الثلج المتساقط، ثم خلع قبعته الصوفية الزرقاء، وما إن وقع بصره على الدب سالم الجالس إلى مائدته، ممسكًا بملعقته المليئة بالفاصولياء، حتى قال بصوت مرتجف:
"من الأفضل لك أن تهرب..، أنا صيّاد."
رفع سالم حاجبيه وابتسم ابتسامة واسعة ظهرت فيها أنيابه وقال:
"بل من الأفضل لك أنت أن تهرب..، فأنا دبّ."
أنزل الصيّاد بندقيته ببطء وقد ظهرت عليه علامات الندم، وقال:
"ليس من حقك أن تكون هنا..، هذا كوخ الأدلاء، وهو مخصّص للبشر."
ردّ سالم وهو يلتهم قطعة من الخبز:
"وأنت لست دليلاً، بل صيّاد."
تنهد الرجل وأرخى كتفيه، ثم اتكأ على إطار الباب وقال:
"بصراحة..، لست صيادًا ناجحًا، لم أصطد شيئًا منذ أن غادرت بيتي، وأنا مرهق وجائع..."
ثم نظر نحو المائدة بتنهيدة:
"هل لديك المزيد من هذا الخبز والفاصولياء؟"
كان سالم قد أعدّ طعامًا يكفي لأيام، فهو يحب الطبخ ويعد طعامه في بداية كل أسبوع، لكنه تردّد في مشاركة طعامه مع صيّاد.
قال الصيّاد متوسلًا وهو ينهار على الكرسي الهزّاز:
"أرجوك..."
نظر سالم إليه بتأمّل، ثم قال:
"تبدو جائعًا بالفعل..، ومتعبًا، سأسمح لك بالبقاء الليلة فقط، وسأشاركك طعامي، لكن لا تتوقع أن أرحّب بك كل يوم!"
قال الرجل بامتنان:
"أعدك أنني سأغادر في الصباح."
لكن في تلك الليلة، تساقطت الثلوج بكثافة على غابات سيبيريا البرية، وغمرت الطرقات تمامًا، فلم يعد بإمكان أحد الخروج.
قال سالم في الصباح وهو ينظر إلى النافذة:
"يبدو أنك ستبقى لتناول الفطور أيضًا..."
تناولا معًا فطورًا دافئًا من الفاصولياء المتبقية، وبعض المافن بالتوت، مع الشاي الساخن، فالجو كان باردًا جدًا.
وبعد الفطور، أخرج الصيّاد آلة موسيقية صغيرة من جيبه.
قال سالم بدهشة:
"أتعزف أيضًا؟"
ضحك الصيّاد وقال:
"أعزف فقط لحنًا واحدًا: (يا سوسنة)..، لكنني أعزفه بإتقان."
قال سالم وهو يبتسم:
"أغنيتي المفضلة هي (يا سوسنة)!"
فقضيا فترة ما قبل الظهيرة يعزفانها معًا في تناغم جميل، وعندما حلّ وقت الظهيرة، كان الثلج لا يزال يتساقط بكثافة، لكن سالم اقترح أن يخرجا للعب قليلًا أمام الكوخ.
انطرحا معًا فوق الثلج الناعم يصنعان ملائكة ثلجية، يحرّكان أذرعهما وأرجلهما ذهابًا وإيابًا، ضحك الصياد، واسمه نادر، وقال:
"ملاكك يا سالم يشبه الوحش أكثر!"
ردّ سالم وهو يضحك:
"وملاكك يشبه الدودة!"
بعدها شرع نادر في صنع رجل ثلج، ووضع على رأسه قبعته الصوفية الزرقاء، وثبّت بندقيته في ذراعيه الثلجيتين، أما سالم، فصنع دبًا ثلجيًا بالحجم الطبيعي يقف إلى جوار الرجل الثلجي، وقد نحت له أسنانًا من الجليد تبدو كأنها تزمجر.
في المساء، وبينما كانا يتناولان الفاصولياء الساخنة مع الخبز الأسمر، قال نادر وهو يبتسم برضا:
"لقد كان يومًا ممتعًا..، هل يمكنني البقاء ليلة إضافية؟"
تواصل تساقط الثلج في غابات سيبيريا البرّية لثلاثة أسابيع ونصف، كل يوم، كانت نوافذ كوخ سالم تُغطى بطبقة جديدة من الصقيع، وكل يوم، كانت أكوام الثلج تعلو أمام الباب الأخضر الصغير، حتى غدا الخروج مستحيلًا.
لم يعد هناك مجال لأن يغادر نادر، وبدلًا من ذلك، تعلّما معًا ثلاث أغانٍ جديدة على آلة الهارمونيكا، وابتكرا عشرين لحنًا مختلفًا لأغنيتهما المفضلة (يا سوسنة).
تعلّم نادر كيف يخبز الخبز الأسمر ويُعدّ الفاصولياء على طريقة سالم، بينما علّم سالم كيف يصنع من توته البري مربى داكنًا وسائلاً بطعم شهي.
في إحدى الأمسيات، وبعد أن انتهيا من غسل الصحون، سأل سالم الدبّ:
"لماذا تصطادون الدببة؟"
فكر نادر قليلًا، وهو يدير فنجان الشاي على صحنه وقال:
"ولماذا تهاجمون البشر؟"
ردّ سالم:
"أنا لا أهاجم عادة، فقط عندما أكون غاضبًا جدًا."
قال نادر بهدوء:
"حسنًا، لو لم تهاجمونا، لما طاردناكم بالصيد."
جلس الاثنان في صمت، يتأملان تساقط الثلج، وهو ينزل ناعمًا كريش الوسائد المتناثر بعد معركة ضاحكة.
قال سالم:
"أنا أغضب لأن الصيادين يقتحمون الغابة وهم يصرخون ويحملون البنادق، تخيّل لو دخل أحد بيتك، يصرخ ويُخيف الجميع ويُطلق النار؟ كيف ستشعر؟"
أطرق نادر رأسه وقال:
"لن أشعر بشيء جيد، هذا مؤكد."
أنهى سالم كوبه الثالث من الشاي، وظلّ يحدّق في نادر بعينيه البنيتين العميقتين.
وفجأة قال نادر:
"صحيح أنني لا أستطيع تغيير كل الصيادين، لكنني أعدك من قلبي أنني لن أطلق النار على أي دبٍ مرة أخرى."
ردّ سالم وهو يهز رأسه:
"وفي المقابل، أعدك أنني لن أهاجم أي إنسان بعد الآن."
قال نادر بفرح:
"اتفقنا!" ثم مدّ يده وصافح كفّ الدبّ الضخم بحرارة.
ومرّ الشتاء الطويل..، وحين مرّت أول طائرة من طيور الكركي عابرة فوق كوخ سالم، بأجنحتها البيضاء الكبيرة التي تشبه الثلج الذائب، عرف نادر أن وقت الرحيل قد حان.
قال وهو واقف عند الباب:
"شكرًا لك، لقد كانت أيامًا رائعة."
ردّ سالم وقد تظاهر بالسعال ليخفي مشاعره:
"لا داعي للرحيل، سأشتاق إليك."
قال نادر وهو يبتسم ابتسامة حزينة:
"وأنا أيضًا، لكنني لست دبًا يا سالم..، لديّ عائلة وأصدقاء في القرية، يجب أن أعد الشاي لزوجتي، وأحكي الحكايات لأطفالي قبل النوم، وأعزف على الهارمونيكا مع الفرقة الموسيقية."
فكّر سالم بكلامه..، شعر بشيء غريب، وكأنّه هو أيضًا يودّ لو كانت له عائلة، أو أصدقاء، وتساءل: هل أنا دبّ كما كنت أعتقد..، أم شيء آخر؟
قال نادر وهو يهمّ بالمغادرة:
"يمكنك زيارتي، ستندهش القرية كلها إن جئت! وسنقطف التوت معًا، خلف بيتي هناك بقعة مليئة بالتوت البري."
ابتسم سالم وهو يتخيل نفسه يقطف التوت تحت الشمس، براحته الكبيرة يمسك الحبات الصغيرة.
قال بلطف:
"أظنني سأفعل ذلك."
وهكذا أصبح سالم الدب ونادر الصيّاد صديقين، لا لموسم واحد، بل مدى الحياة.
في الصيف، كان سالم يزور نادر في قريته، ويذهبان سويًّا إلى البقعة التي تمتلئ بالتوت البري، يقطفان كميات كبيرة تكفي لصنع فطيرة ضخمة، بحجم يكفي جميع أهل القرية، وعندما يجتمع الناس في المساء تحت نجوم الصيف، يأكلون قطعًا من الفطيرة الدافئة واللزجة والحلوة، وينظرون بدهشة إلى الدب الضخم الذي يجلس بهدوء بجانب نادر، يلعق كفّيه بعناية مثل تمثال حي.
أما في الشتاء، ومع أول تساقط للثلج، كان نادر يضع قبعته الصوفية الزرقاء على رأسه، وينطلق نحو أعماق الغابة البيضاء في سيبيريا، كان يعرف أن هناك، في مكانٍ ما بين الأشجار العالية والصمت الثلجي، يوجد كوخ صغير ودافئ، وصديق ينتظره يعزف "يا سوزانا" على الهارمونيكا، بينما يغلي قدر الفاصولياء على الموقد.
وهناك، في ذلك الكوخ، كان القلب دافئًا مهما اشتد البرد في الخارج.
لأن الصداقة الحقيقية، مثل الفطيرة التي يتشاركها الأصدقاء، تزداد حلاوة كلّما مضى عليها الزمن.
القصة الثالثة: السيدة أمينة والبوق العجيب
كان لدى السيدة أمينة بوقٌ صغير، لكنها لم تعرف كيف تعزف عليه نغمة واحدة، فارتدت خمارها، ومشت فوق التلة الخضراء، وأعطت البوق للعنزة سعاد التي كانت تمرّ.
ظنّت سعاد أن البوق طعام شهي، فحاولت أن تقضمه بأسنانها، لكنه كان قاسيًا جدًا، فحملته إلى البقرة هناء التي كانت تمضغ الذرة ببطء تحت ظل شجرة زيتون.
البقرة هناء وضعت البوق فوق رأسها، وظنته تاجًا جميلاً، ثم مشت في الطريق الهادئ حتى رأت الخنزيرة وردة، التي كانت تستمتع بحمام طينٍ دافئ بجانب بركة ماء ضحلة.
ضحكت وردة عندما رأت البوق، وحاولت أن تنفخ فيه لتصنع فقاعات من الهواء، ولكنها فشلت، فقررت أن تعطي البوق للحصان رمزي، الذي كان يرتدي حذاءً منقطًا.
رمزي الحصان trotted في الطريق حتى وصل إلى البركة التي تنمو فيها زهور النيل الملونة، هناك، وجد مجموعة من البط يسبح في صف منتظم، فقرّر إعطاء البوق للبطات.
قالت البطة الأم، "واق واق!" ثم دفعت البوق بمنقارها نحو ضفة البركة، حيث تمرّ الطيور من فوق، هناك، وجدت غرابًا عجوزًا وأعطته البوق وهو يضحك بصوت عالٍ.
قال الغراب، "قاق قاق!" وأخذ البوق في منقاره وطار بعيدًا، طار لمدة عام ويوم ونصف، حتى شعر بالتعب، فقد كانت الرحلة طويلة جدًا والرياح قوية في السماء.
قال الغراب العجوز، "أحتاج إلى الراحة"، بينما كان يطير على ارتفاع كبير، نظر إلى الأرض من فوق السحاب، وشاهد شرفة صفراء تبدو مريحة، فقرر الهبوط هناك فورًا.
هبط الغراب على الأرجوحة الخشبية بهدوء، ومدّ جناحيه ليستريح، أنزل البوق من منقاره، وسقط على الأرض، وفجأة، خرج صوت غناءٍ جميلٍ من داخل المنزل الصغير الهادئ.
ثم طار الغراب مبتعدًا، تاركًا البوق خلفه على الأرجوحة، والسيدة التي كانت تغني داخل المنزل لم تكن سوى السيدة أمينة، تنسّق زهور البازلاء العطرة في حديقة منزلها الصغير.
خرجت السيدة أمينة إلى الشرفة بخطوات واثقة، ترتدي ثوبًا زهريًا، وتحمل كوبًا من عصير الليمون البارد، وجلست تحت الظل، تستمتع بنسيم ما بعد الظهيرة وهدوء الريف.
جلست السيدة أمينة فوق البوق دون أن تنتبه! قفزت من مكانها بفزع، وقالت بدهشة: "يا إلهي! من أين أتى هذا البوق؟ هل يكون بوقي القديم فعلاً؟"
رفعت البوق بيدها، ونظرت إليه باستغراب، ثم ضحكت وقالت: "إنه يشبه بوقي تمامًا! يا له من لغز طريف!" وعادت إلى كرسيها لتكمل جلستها المريحة على الشرفة.
فإن كنت يومًا تتنزه وتسمع لحنًا غريبًا يتردد في الأجواء، لا تخف أو تقلق، ولا تظن أن شيئًا خارقًا يحدث، فالموسيقى ليست دائمًا كما تبدو في الخيال.
إنها فقط السيدة أمينة تحاول العزف على بوقها العجيب، مرتدية معطفها البنفسجي المفضل، لكنها رغم المحاولة يومًا بعد يوم، ما زالت تعجز عن عزف نغمةٍ واحدة صحيحة!.
القصة الرابعة: قصة الزرافة
في قديم الزمان، كانت هناك زرافة تُدعى سامي، كان يعيش في البرية، لكنه الآن يعيش في حديقة حيوانات كبيرة تضم العديد من الحيوانات المختلفة، من كل الأنواع والأشكال.
ذات يوم، اكتشف سامي أنه يمتلك قدرة غريبة وفريدة، فقد كان بإمكانه الاستماع إلى الراديو من خلال قرنيه الطويلين كأنهما هوائيان يلتقطان موجات الصوت من الهواء.
كان قادرًا على تغيير المحطات، في الصباح، وهو يأكل الأوراق، يستمع إلى مباراة كرة، وبعد الظهر، أثناء تنظيف القفص، يستمع إلى أوبرا كلاسيكية بكل هدوء وتركيز.
وكان في كل صباح أحد، عند العاشرة، يختار برنامجًا إلهاميًا مميزًا، ومع مرور الوقت، بدأ الآخرون يلاحظون اهتزاز قرنيه عند تشغيل الراديو.
عندما تلتقط قرناه الإشارات، كانت تهتز وتتلألأ أحيانًا، لاحظ الناس ذلك، لكن لم يفهم أحد لماذا يحدث هذا، كانوا في حيرة من أمرهم حيال ما يرونه.
الببغاء الناطقة في القفص المجاور هي من كشفت السر، لم تستطع سماع الأصوات لأن موجاتها منخفضة، لكنها تعلمت قراءة لغة جسده.
لكنها كانت تخطئ أحيانًا، وهذا كان يزعج سامي كثيرًا، كانت تتفاخر بأنها تترجم له، لكن أحيانًا كانت تخمن خطأ، وتحرجه أمام الآخرين بلا قصد.
“ماذا تستمع له، يا سامي؟ نشرة الأخبار؟ نعم، إنه يستمع للأخبار الآن!” تقول الببغاء، لكن سامي في الحقيقة كان يستمع لمباراة في البيسبول، وليس الأخبار.
سرعان ما انتشرت قصة سامي في كل الصحف، وأصبح حديث الناس في كل مكان، رغم أن لا أحد يفهم لغته الحقيقية سوى الببغاء المتطفلة.
بدأت البرامج التلفزيونية تستضيفه، وكان يظهر في المقابلات، بينما كانت الببغاء تتحدث بالنيابة عنه، ولم يكن أحد يسمعه فعليًا، لكنهم صدّقوا كل ما تقول.
ظهر في جميع المجلات المشهورة، فجأة، أصبح سامي مشهورًا على مستوى البلاد، والناس يتحدثون عنه كأنه نجم كبير محبوب من الكبار والصغار.
كان الأطفال يرسلون له القلائد لتزيّن عنقه الطويل، وكان يرتدي منها أحيانًا ما يصل إلى ثمانين قلادة ملوّنة، وكان يبدو سعيدًا بكل هذه الهدايا.
عالم مختص بالظواهر الغريبة جاء ليجري أبحاثه، وصنع آلة خاصة توصلها بقرنيه، لتسجل موجات الراديو، لكنه لم يستطع تفسير الظاهرة، فقط تأكد من وجودها.
في البداية، أحب سامي كل هذه الشهرة والاهتمام، كان سعيدًا وهو يُصوَّر ويُحتفل به كل يوم، لكن مع الوقت، بدأ يشعر بالملل والتعب من كل هذا.
بدأ يضيق ذرعًا بالدراسة والفحص المستمرين، كان يُفحص ويُراقب يوميًا، حتى فقد شعوره بالخصوصية، وتمنى أن يعود إلى حياته البسيطة في الطبيعة.
أكثر ما كان يتمناه هو أن يعود إلى وطنه في إفريقيا، كان يذكرها بظلال أشجارها الطويلة، وأوراقها اللذيذة، وهوائها الحر الخالي من الضجيج.
وكان يتمنى لو يستطيع أن “يطفي نفسه” لبعض الوقت، فالحياة بدون راديو، وبدون صخب البشر، بدت له في تلك اللحظة كأجمل ما يمكن أن يحصل عليه.
في إحدى الليالي، ظهر سامي في برنامج شهير يُعرض على الهواء، كان ضيف الحلقة الأخرى تاجر موز يُدعى عمّار، يسافر كثيرًا ويبيع الموز لكبرى سلاسل المتاجر في البلاد.
بالإضافة إلى معرفته الكبيرة بعالم الموز، كان عمّار يحب الحيوانات كثيرًا، لاحظ فورًا أن سامي يبدو حزينًا جدًا، فقد كانت هناك دمعتان كبيرتان تنزلان من عينيه الطويلتين.
سأل عمّار: "ما الأمر يا سامي؟ لماذا تبدو حزينًا هكذا؟" وكالعادة، لم يتكلم سامي بشيء، فقفزت الببغاء الناطقة قائلة: "إنه يشتاق لأفريقيا، إنه يشعر بالحنين للوطن."
تساءل المذيع قائلًا: "هل أنتِ متأكدة؟" فردّت الببغاء: "نعم، إنه يفتقد موطنه الحقيقي." عندها هزّ سامي رأسه ببطء مؤكّدًا ذلك، فقد كان يتوق للعودة للبرية.
قال عمّار بحماسة وهو يصفق على ركبتيه: "إذن الأمر محسوم! سأعيده إلى هناك بنفسي!" تعجب المذيع: "ولكن، من أين ستحصل على المال اللازم للقيام بهذه الرحلة؟"
اعترضت الببغاء قائلة: "لا يمكنه الرحيل! إنه ملك لحديقة الحيوانات." لكنها في الحقيقة لم تكن تريد فراقه، فهي اعتادت عليه وستشتاق لحديثه وجواره.
نظر عمّار إلى سامي بحنان، ثم التفت إلى الببغاء وقال: "لا مشكلة كبيرة مع الإيمان! سأجمع المال اللازم بنفسي، سترون ما يمكن أن أفعله من أجل صديق."
وبالفعل، كان الأطفال في جميع أنحاء البلاد يشاهدون تلك الحلقة، ليس فقط لأنها كانت قبل كرتونهم المفضل، بل لأنهم أحبوا سامي الزرافة كثيرًا من قلوبهم.
عندما سمع الأطفال بما يحاول عمّار فعله، أرادوا مساعدة سامي، بدأوا بفتح حصّالاتهم الصغيرة وإرسال نقودهم القليلة إلى عمّار لدعم صندوق "العودة إلى الوطن" الخاص بسامي الزرافة.
من أنحاء البلاد كلها، بدأت الهدايا تصل لعمّار، كانت المغلّفات الصغيرة مليئة بالحب والنقود، وخلال أيام قليلة، أصبح لدى عمّار وسامي المبلغ الكافي لتغطية تكاليف الرحلة الكبيرة.
وافق مدير حديقة الحيوانات أخيرًا، وقال: "حسنًا، يمكن لسامي أن يعود لوطنه!" ركض عمّار نحو سامي وقال: "سامي، ستعود إلى أفريقيا!" فاهتزّت قرناه فرحًا وحماسًا كبيرًا.
سافر سامي في قاع سفينة شحن ضخمة، مع مجموعة من الحيوانات الأخرى، كان فرحًا جدًا بالرحيل، فلم يهتم كثيرًا بدوار البحر، حتى لو تسبّب له ببعض الغثيان أحيانًا.
وأخيرًا، وصلت السفينة إلى شواطئ أفريقيا الجميلة، كانت هناك حافلة مخصصة تنتظر سامي، لتأخذه إلى المراعي الخضراء المليئة بالأشجار الطويلة والأوراق العريضة التي يحب أكلها كثيرًا.
وعندما وصل سامي، كانت عائلته كلها بانتظاره! نعم، كانت أمّه، وأبوه، وإخوته، وعماته، وأخواله، وأجداده، وأبناء عمومته! لقد كان استقبالًا حافلًا ومليئًا بالمفاجآت الجميلة.
هل تعرفون كيف عرفوا أنه قادم؟ السر كان في قرنيه! فقد كانت تلتقط إشارات الراديو، وكانوا يسمعون أخباره من خلال تلك الاهتزازات، فعرفوا بموعد وصوله تمامًا، واستعدّوا للترحيب به.
اقرأ: قصة الامير الضفدع والأميرة الجميلة
القصة الخامسة: قصة حسام العجيب
لم يكن حسام العجيب في مزاج حسن حين استيقظ ذات صباح ليجد قدميه قد استُبدِلَتا، وأنفه تحول إلى خطم خروف يصدر ثغاءً غريبًا يُثير الضحك والشفقة في آنٍ معًا.
وقد تبيّن أن قراصنة مطليين بالأزرق هم من قاموا بهذه الأفعال، فقد تسللوا ليلًا إلى حجرته واستبدلوا أطرافه وسرقوا حذاءه وباعوه في سوق لا أحد يعرف له طريقًا.
أما عن رقبته، فقد أصبحت طويلة كرقبة نعامة، ولم يعد قادرًا على الالتفات دون أن يصدر صوت طقطقة، ويداه الرقيقتان تحولتا إلى عصوين من خشب البامبو اليابس.
وصدمته الكبرى كانت في أذنيه، إذ لم يعودا كما يعرفهما، بل ظهرت مكانهما لحيتان صغيرتان متجعدتان كأنما وُضِعتا هناك للزينة لا للسمع.
مشى المسكين على قدميه الجديدتين الغريبتين وهو يبكي دموعًا مالحة ويثغو كحمل صغير، متعثرًا في خطواته التي لم يعتدها بعد، ولا يعرف وجهته.
ثم صعد فوق كرسيّه الخشبي بثقة مفاجئة، مرتديًا سروالًا لامعًا يبرق تحت ضوء الغرفة، وصرخ بأعلى صوته: "كفى عبثًا، لقد حان وقت المواجهة!".
فتح الباب بعزم لم يعهده من قبل، وقد قرر أن يخوض المغامرة دون تردد، مستعدًا لأن يطوف الأرض كلها بحثًا عن أطرافه المسروقة.
ومضى في رحلته حاملاً بيده ملعقة خشبية ضخمة كأنها سيف، مصممًا على أن يستعيد أنفه وأذنيه وقدميه مهما كلفه الأمر.
قال: "لن أرتاح ولن أهدأ حتى أجد من سرقني، وسأجعلهم يندمون حين أخبزهم في فطيرة كورنيش شهية!"، وعيناه تتقدان بغضب مضحك.
وهكذا بدأ حسام رحلته العجيبة، ليس فقط ليستعيد جسده، بل ليبرهن للعالم أن من يسرق أنف الآخرين قد يُؤكل يومًا في فطيرة ساخنة.
إن القراصنة من نوع اللصوص، لهم أشكال وأحجام لا تُحصى، فمنهم القصير السمين ومنهم الطويل النحيف، لكن جميعهم يملكون ذقونًا مشعرةً مليئة بالبثور المقززة.
يقف على أكتافهم طائرٌ مزركش الريش، يبدو أنه عاش قرنًا أو أكثر، يتكلم بلهجات غريبة ويردد أسماء ضحاياهم في منتصف الليل.
لبعضهم خمس عيون أو ست، وبعضهم مزيج من أجزاء شتى: زعانف وأسنان قط، مناقير وأجنحة غربان، وذيل أسد وأصابع ملوك ماتوا من قرون.
لكن الأعضاء التي يفضلها القراصنة أكثر من غيرها، هي أطراف حسام الغريبة، التي يقال إنها تمنح من يرتديها قوى خارقة وغريبة.
ملك القراصنة، ذو النظرة الحادة والشرّيرة، ترك رسالة على عشب القرية الأخضر، فيها كلمات تهكم وسخرية لحسام: "ابحث كما تشاء، لكن سعيك لن يُجدي نفعًا".
"سنفر إلى هناك وسنقفز إلى هنا، فوق الجبال وداخل الهواء، لكن إن اقتربت منّا أو أمسكت بأحدنا، فسنطعم أعضاءك للظباء!"
وانطلق حسام في مغامرةٍ جامحة، يطارد أولئك القراصنة الزرق، وقد امتطى مركبًا عجيبًا فريداً، قدمٌ على فرس بحر، وأخرى فوق ضفدعٍ ضخْم.
ستة أشهرٍ أو يزيد، لم يغمض له جفنٌ أو ينام، إذ لا وقت للراحة أو الكلل، إن كان يأمل أن يُمسك بالأوغاد المخادعين.
بعظامٍ واهنةٍ وفخذين موجوعين، لم يجد طعامًا يشبعه، سوى أعواد الديناميت الساخنة، وزغبٍ يخرج من سرّة البطن، ومخفوق حليبٍ من عصير الأصابع.
كان الطريق شاقًا والطريق طويلًا، كاد أن ييأس ويرجع أدراجه، لكن أنغام القراصنة في الريح، زادت عزيمته ودفعت خطواته.
تجاوز التلال، ودار مع المنعطفات، وسار تحت جدول ماءٍ فائر، حتى أبصر كهف القراصنة أخيرًا، فدخل بقلبٍ جسور لينقذ أعضاؤه الضائعة.
رائحة القراصنة أصابت أنف حسام، فكاد دماغه أن يذوب من شدتها، لكنّه واصل المسير مترنحًا في الظلام، يتمايل ويتأرجح كأنه في دوامة.
وحين دار عند منعطفٍ عميق في النفق، ظهر أمامه حصن القراصنة، وكان زعيمهم واقفًا هناك، بسرواله المحبوك، وعضلاته متوترة بوضوح.
حدّق في حسام بنظرةٍ فولاذية، وذيله يضيء بلونٍ أرجواني مشع، وقال مزمجرًا: "لآكلن ريحك الكريهة، قبل أن أعيد إليك أعضاءك المسروقة!"
سكن المكان ولم يتحرك أحد، والأنفاس كانت محبوسة، رفع حسام كُمّه بهدوء، ووقف في وجه الزعيم المخيف بثباتٍ وجسارة، في يد حسام كانت الملعقة الخشبية، وفي يد القرصان علبة صدئة، المعركة بدأت، لا رجعة فيها، لاستعادة القدمين والمخالب المسروقة.
كان الزعيم أول من ارتجف، ثم حرّك حسام شاربيه في تحدٍّ، قفز كلاهما في الهواء، وتعلّق كل واحدٍ بشعر الآخر الكثيف، وانطلقت صيحات القراصنة عالية، فيما تدحرج الاثنان على الأرض بوحشية.
وغمر الغبار المكان، وتناثر اللبن الزبادي فوق وجهيهما، تراشقا بالجزر والجبن، ثم تساقطت أقدامهما وركبهم معًا، تطايرت الكراسي وطارت طائرة ورقية، ثم بدأت حرب دغدغة ومعركة سندويشات!
بعد حين، جلس الخصمان منهكين، تمر أصابعهم في خصلات شعرهم المتشابك، انهار حسام على الأرض، وذاب القرصان ككومة زبدة فوق حجر ساخن.
ارتجّت الغرفة وسادها صمت، بينما القراصنة يتابعون بقلوب مرتجفة، يتناولون الكعك بالزبدة والفول السوداني وكأنهم في عرضٍ مسرحي.
ثم، دون صوت، ارتفع حسام عن الأرض، وثبّت في يده ريشة، ثم أخرى، وبدأ في دغدغة سرة القرصان، الذي تدحرج وضحك بصوتٍ هائل.
صرخ القرصان: "كفى، أرجوك، لا مزيد من الدغدغة، سأُعيد لك كل شيء، من ركبتيك إلى أصابعك، ست عشرة أذنًا، اثنتا عشرة أنفًا!"
"سأرد إليك الأيادي وصفاراتك، شعرك ولحيتك وحذاءك المتعرق أيضًا!"، وهكذا، تبادلوا الأعضاء قطعةً قطعة، وعاد حسام كما كان، نفسه، وليس شبيهًا بملك القراصنة.
انهار القرصان الأزرق، وقد ذبل كبرياؤه وتبدد، وسقطت دمعة بطيئة من عينه، يسلّم حسام سيفه المستبد، رفع حسام السيف بين مخالبه، ثم حرّكه بحركاتٍ سريعة.
وبحركة بارعة في نصف ثانية، أراح النصل على رقبة القرصان الوديعة، لكن القرصان ابتسم بابتسامة بلا أسنان، ومسح ذقنه المليئة بالبثور والأشجان.
ثم من تحت شعره الطويل الأشعث، أخرج كتلًا من الشوكولاتة عددها اثنتا عشرة قطعة، اتسعت عينا حسام كما الصحون الكبيرة، وترك سيفه يسقط بجانبه من شدة الدهشة الخطيرة.
ثم جلس مع القرصان الغريب، وتشاركا في وليمة شوكولاتة لذيذة تُذيب القلب العجيب، نهض حسام بعدها مسرعًا، قدمٌ على حصان البحر وأخرى على ضفدعٍ اندفع اندفاعًا.
حلّق بعيدًا عن أرض الغرائب واللصوص، فعاد إلى بيته، فقد انتهى زمان الطقوس، فإن استيقظت يومًا بلا لحية أو بطنٍ مسروق، أو أذنيك قد حُلقتا كأنك في سوق، فلا تبحث عن معركة أو خصامٍ مريب، بل شارك القرصان طبق شوكولاتة وامشِ في حذائه الغريب.
