أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

قصة خيالية طويلة للكبار بأسلوب مشوق

في عالمٍ لا تحكمه القوانين التي نعرفها، حيث تنحني الحقيقة أمام الخيال، وتتشابك الأزمنة كما تتشابك خيوط الحلم، تبدأ قصة خيالية طويلة للكبار، لا تشبه ما قرأته من قبل، ولا تُشبه حتى ما حلمت به.

قصة خيالية طويلة للكبار

إنها ليست مجرد حكاية تروى، بل بوابة تنقلك من هذا الواقع الجامد إلى عالمٍ آخر، أكثر اتساعًا، أكثر دهشة، وأكثر خطورة، عالمٌ لا يسكنه البشر وحدهم، بل تسكنه الأرواح، والظلال، والكائنات التي لا تُرى إلا حين تنغلق العيون.

قصة خيالية طويلة للكبار

"وحشتني"

عندما تصل هذه الرسالة لأي شخص، قد تبدو عادية تمامًا، ولكن عندما وصلتني، شعرت بانقباض شديد في صدري، والسبب أنها كانت من مي، خطيبتي، المشكلة ليست في الرسالة ذاتها، بل في أمر آخر أكثر رعبًا... مي توفيت.

وقفت مذهولًا أمام الرسالة لعدة دقائق، أحاول استيعاب الأمر، من هذه؟! سألتها فورًا: "من أنتِ؟" لاحظت أنها قرأت رسالتي لكنها ظلت صامتة لبعض الوقت قبل أن تجيب: "أنا مي"، شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، كيف يعقل ذلك؟ مي رحلت أمام عيني، أنا متأكد من ذلك.

بدأت هي أيضًا تتأكد مني، وكأنها تشك في هويتي كما أشك في هويتها، ازدادت شكوك، فسألتها عن تفاصيل لا يعرفها أحد سواي وسواها، تفاصيل خاصة جدًا، وكان عقلي على وشك الانفجار، كيف يكون هذا ممكنًا؟!

حاولت الاتصال برقمها، لكنه كان غير متاح كما هو الحال منذ وفاتها، عندها انتابني إحساس غريب، فاتصلت بوالدها، عمي صادق، وسألته: "عمي، هل... هل مي...؟" لم يدعني أكمل كلامي، بل قاطعني بحزم: "يا بني، مي رحلت، انسَ الأمر، تابع حياتك".

مي ماتت، إذن أنا لست مجنونًا... لكن إن كانت كذلك، من تكون هذه؟.

استمرت المحادثات بيننا لفترة طويلة، كنت دائمًا أتحدث معها بحذر، وفي داخلي شكوك عميقة، لكنني لم أكن وحدي، فقد شعرت بنفس الحذر منها أيضًا، وفي النهاية، قررت مواجهتها مباشرة وسألتها: "مي، هل تتذكرين يوم الحادثة؟"

بمجرد أن نطقت بهذه الكلمات، شعرت بشيء مريب، وكأنني أوجه السؤال لشخص متوفٍ وأسأله: هل تتذكر يوم وفاتك؟ لكن الصدمة الأكبر كانت عندما ردت قائلة: "نعم".

بدأت أسترجع تفاصيل الحادثة، وإذا بها تكمل معي ما أقوله وكأنها كانت هناك بالفعل:

خرجنا من السينما في ذلك اليوم وكنا سعيدين جدًا، وتجولنا قليلًا في المول، ثم قررنا العودة، ركبنا السيارة، كنت أنت من يقود وأنا بجانبك، كنت متعبة واقترحت أن نعود بالمواصلات.

لكنك كنت عنيدًا وأصررت على العودة بالسيارة،  الطريق كان مظلمًا والرؤية ضعيفة، وفجأة، ظهر أمامنا شخص بشكل غير متوقع، قمتَ بانحراف سريع نحو اليمين لتتفادى الاصطدام به، لكن السيارة اندفعت نحو الشجرة، وتوفيتُ.

قلناها معًا، في نفس اللحظة! كيف يعقل هذا؟! لقد قصدت أنني أنا مَن توفيت!

حينها نظرت إليَّ وقالت: نعم، يا آدم، أنت توفيت، وأنا أعلم أن كل هذا مجرد وهم، لكنه يراودني باستمرار لأنني أشعر بالذنب، وكان يجب أن أصر على العودة بالمواصلات، فأنا السبب في موتك، لا أعلم ما دفعني لإرسال تلك الرسالة، لكنني متأكدة تمامًا أنك رحلت.

شعرت أنني أفقد عقلي، هل ما يحدث حقيقي أم مجرد هلوسة؟ لم أعد أفهم أي شيء، ومن دون تفكير، ضغطت على زر الاتصال بالفيديو، وقلبي يخفق بشدة وكأنه سيتوقف.

لكنها... ردّت!

مي... إنها مي حقًا! حدّقنا في بعضنا والرعب يملأ أعيننا، كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ شعرت وكأننا بقينا صامتين لدهرٍ كامل، حتى قطعت الصمت وتحدثت، واستغرقنا ساعاتٍ نسترجع ذكرياتنا، نضحك ونتبادل المزاح، وبين الدموع التي انهمرت لم نعد ندرك أن هناك أمرًا غير طبيعي يحدث بالفعل.

ومن دون تفكير، طلبت منها أن نلتقي في مكانٍ محدد، وصلت، واتصلت بها، لكن هاتفها كان غير متاح... تناسيت الأمر حينها، وأرسلت لها رسالة عبر "واتساب"، لتخبرني بأنها واقفة في المكان المحدد، نظرت حولي، بحثت عنها في الموقع الذي قالت إنها تقف فيه، لكنني لم أجدها.

بدأ القلق يساورني، فقررت أن أتصل بها مجددًا عبر مكالمة فيديو، وطلبت منها أن توجه الكاميرا نحو محل البقالة القريب، وفعلت ذلك وهنا كانت الصدمة، أنا كنت واقف أمام المحل بالضبط، لكن في هاتفها لم أكن ظاهرًا.

الأغرب من ذلك، أن كل الأحداث التي تظهر في الكاميرا عندها هي نفسها التي تحدث حولي، الصبي الذي يركب الدراجة، المرأة التي تحمل أكياسها، كل شيء مطابق تقريبًا، مع اختلافات طفيفة جدًا.

أخذتُ هاتفي وصوّرت المكان الذي كان من المفترض أن تكون واقفة فيه، فوجدت أنني أراها في الكاميرا، لكنها لم تظهر في هاتفها، لم أعد أفهم شيئًا، ما الذي يجري؟!

عدت إلى المنزل بعد أن فقدت الأمل، عقلي لم يتوقف عن التفكير، كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ كانت وسيلتنا الوحيدة للتواصل هي "واتساب"، وحين حاولنا تأكيد ما يحدث، أرسلت لي صورة لشهادة وفاتي، وأرسلت لها صورة لشهادة وفاتها، الأمر حقيقي، لكن كيف؟! لا أحد يعلم.

استمر حديثنا اليومي، دون أن ندرك سبب ما يحدث. كنت أخشى أن أخبر أحدًا بالأمر حتى لا يعتقدوا أنني فقدت صوابي، التفكير في الأمر ينهكني، كلما حاولت استيعابه، شعرت أن رأسي سينفجر.

وفي أحد الأيام، كنت جالسًا مع أصدقائي، حتى قاطعني كريم قائلًا: "سرحان في إيه يا صاحبي؟!"، فأجبته قائلًا: "كريم، هل يمكن أن يكون هناك شخص موجود وغير موجود في الوقت نفسه؟! لا أعرف كيف أشرح لك قصدي"، فقال: "تقصد أنه غير موجود في عالمنا، لكنه موجود في عالم آخر؟!"   جلست مستقيمًا وقلت بترقب: "نعم، شيء من هذا القبيل، كيف؟!"

أخذ كريم نفسًا طويلًا قبل أن يقول: "كلامك يذكرني بنظرية "هيو إيفريت"، المعروفة باسم "الأكوان المتعددة"، والتي تعني أن هناك أكوانًا موازية لعالمنا."

قلت: "أكوان موازية؟! ماذا تعني؟"، فأجاب: "على سبيل المثال، لنفترض أن "زياد"، صديقنا، تعرض لحادث، هناك احتمالان: الأول أنه ينجو، والثاني أنه يموت، بالضبط عند تلك اللحظة، ينقسم الكون إلى فرعين، أحدهما يعيش فيه زياد، بينما في الآخر يكون قد فارق الحياة، وهناك إثباتات ونظريات علمية تحتاج إلى ساعات لنقاشها.

فسألته: "ولكن هل هناك طريقة لمقابلة زياد؟!

- ماذا؟!

- أقصد، إذا كان الشخص الذي مات موجودًا بالفعل في عالم آخر، فهل يمكننا رؤيته؟!

- لو كان ذلك ممكنًا، لكانت البشرية بأكملها قد فعلته يا آدم، لكنه غير ممكن.

كلام كريم أخذني إلى عالم آخر، فهل هذا هو التفسير الوحيد لما يحدث؟ لكن لا، لا بد أن هناك حلًا لكي نتقابل، لا بد من ذلك، ومرت الأيام والشهور، وكنا نتحدث لساعات طوال، نتشارك الذكريات، نبحث عن تفسير منطقي لما يحدث، وشرحت لها النظرية التي قرأتها، فأصابتها الدهشة، وكنت موقنًا أن هناك طريقة ما لكي نلتقي.

قمنا بعدة محاولات، قرأت كثيرًا عن الأكوان المتعددة، ذهبنا إلى نفس المكان عدة مرات، وقفنا لساعات، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، وفي نهاية الأمر، فقدت الأمل، ولكنني بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا، ربما كان قد بدأ منذ فترة، لكنني كنت أكذب على نفسي.

نظرت إلى المرآة، فوجدت وجهي شاحبًا للغاية، وزني ينقص بطريقة غير طبيعية، وأتنفس بصعوبة، الغريب أنها كانت تعاني من نفس الأعراض.

وهنا أدركت الحقيقة المخيفة، كل هذا خطأ، إذا كان ما يحدث صحيحًا، فهذا يعني أننا نحاول اختراق نظام كوني ممنوع الاقتراب منه، وكل شيء له عواقبه، ماذا لو كان كل هذا مجرد خيال؟!

عندها اتخذت القرار، وقلت لها بصوتٍ ثابت:

- مي، يجب أن ننهي هذا الموضوع.

= أي موضوع؟

حديثنا، ما يحدث بيننا، خطأ.

= لكن... لماذا؟!

- هل ترين ما يحدث لنا؟ نحن كمن يتشبث بالسراب، كل ما يربطنا هو عالم افتراضي غير مفهوم، وبمجرد أن ينقطع الاتصال، ستنتهي علاقتنا بالكامل.

= لكنني... أحبك.

- هناك أشياء نحبها ونتمسك بها رغم أنها تؤذينا، تستنزفنا نفسيًا وجسديًا، لكن ليس كل ما نحبه يجب أن نبقى متمسكين به، أحيانًا يكون التخلي هو الخيار الأفضل، وهو ما يمنحنا الراحة.

= لا بد أن هناك حلًا، لا بد أن هناك طريقة نلتقي بها.

- وإن وجدت، فالكون لن يسمح بذلك، كما يحدث الآن، الكون الذي نعيش فيه منظم بشكلٍ مرعب، رغم الفوضى الظاهرة، إلا أن كل شيء يسير وفق نظام دقيق لا يمكن لأحد تغييره، لا أنا ولا أنتِ.

= لكن، لكن...

- ولا أخفي عليكِ، حتى هذه اللحظة، لا أستطيع تصديق الأمر، أحيانًا أشعر أنكِ مجرد وهم، أن عقلي يخدعني لأنه لم يستوعب صدمة فقدانك، أو ربما أنا مجرد خيال في عقلك، صنعه عقلك لكي تستمري في التعلق بالحياة، الكون معقد إلى حدٍ لا يمكن تخيله.

= نعم، أحيانًا أشعر أنك وهم، لكنني كنت أكذب على نفسي. ولكن إن كان كل ما يحدث حقيقيًا، فما السبب الذي جعلني أتحدث معك مرة أخرى؟

ابتسمت وأنا أقول لها: ربما لأن كل واحد منا حمل داخله شعورًا قاتلًا بالذنب، شعورًا بأنه السبب في موت الآخر، على الرغم من أنه كان قدرًا لا دخل لنا فيه... ربما حدث هذا لندرك أن الأمر أعمق وأكبر منا بكثير.

= أو ربما لأنني لم أحظَ بفرصة لوداعك حينها، فجاءت هذه الفرصة لكي نتمكن من فعل ذلك.

- وربما أيضًا لنعرف أن العمر أقصر من أي شيء في هذا الكون، وأن علينا أن نظل مستعدين لذلك اليوم دائمًا.

= هل تظن أننا سنلتقي ولو لمرة واحدة؟

- الكون غريب وكل شيء فيه ممكن، لكنني أتمنى ذلك... بشدة.

= أنت محق... أتمنى لك حياة أفضل.

- وداعًا.

أنهى المكالمة، ثم حطم هاتفه، وكأن كسر الشاشة كان الطريقة الوحيدة لإغلاق الباب الذي بقي مواربًا طوال تلك الفترة، ولكن هل حدث كل ذلك حقًا؟ أم كان مجرد حلم؟ أو ربما، مجرد وهم؟

في جميع الحالات، شعر أنه تجاوز محنة فقدان مي، وأن شعور الذنب بدأ يتلاشى يومًا بعد يوم، ومرَّت سنتان، وبدأت الذكريات تتلاشى تدريجيًا، لكنه لم ينكر أنه كان، بين الحين والآخر، يمر بالمكان الذي كان من المفترض أن يلتقي بها فيه، يقف لدقائق معدودة لسبب لا يفهمه، ثم يمضي.

وفي أحد الأيام، كان يستقل الحافلة، فعبرت بجوار ذلك المكان الذي شهد آخر محاولاته لمقابلتها. فجأة، شعر بها للحظة، رآها بوضوح، انقبض قلبه، وعندما التقت عيناه بعينيها، بدت مصدومة، ثم ابتسمت.

ابتسم هو الآخر، قبل أن تمر سيارة أمام المكان، وتحجب عنه الرؤية للحظة. وعندما نظر مجددًا... كانت قد اختفت.

وهكذا، تنتهي هذه القصة الخيالية الطويلة للكبار، بعد أن أخذتك في رحلةٍ عبر العوالم المجهولة والوجوه المتقلبة، حيث امتزج الواقع بالوهم، والحقيقة بالخرافة، قد تُغلق الصفحات، لكن أثرها يبقى عالقًا في ذاكرتك، يسكن تفاصيل يومك، ويهمس لك بأن ما وراء المألوف ليس بعيدًا، بل أقرب مما تظن. 

قصة لكل جيل
قصة لكل جيل
تعليقات