أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

قصة خيالية للنوم للكبار

قصة السينما القديمة

قصة خيالية للنوم للكبار

طلبت هدى، خطيبتي، أن نشاهد فيلمًا جديدًا في السينما، قالت إن اسمه "سيكو سيكو"، لم أكن قد دخلت السينما منذ فترة طويلة، وحتى عندما أفعل، نادرًا ما أشاهد أفلامًا عربية، لكنني وافقتها فورًا عندما علمت أن البطولة لعصام عمر وطه الدسوقي، فأنا معجب بأعمالهما، وقلت لنفسي: لِمَ لا؟

اتفقنا على الذهاب إلى سينما مول العرب، لكننا قررنا أولًا أن نتناول العشاء في مطعم مشويات تحبه هدى في مصر القديمة.

بعد أن خرجنا من المطعم وسرنا قليلًا، لمحنا مبنى يبدو وكأنه سينما، وعندما اقتربنا أكثر، تأكدنا من ذلك. كانت السينما حقيقية، لكنها قديمة للغاية، من ذلك النوع الذي يبدو وكأنه يعود لعقود مضت.

تبادلنا النظرات، وكأننا نقول لبعضنا بصمت: لِمَ لا؟ بدلًا من قطع الطريق إلى مول العرب! أعجبتها الفكرة، فدخلنا، وما إن خطونا بضع خطوات داخل المبنى، حتى وجدنا أنفسنا أمام شباك التذاكر.

كانت السينما مختلفة تمامًا عن المعتاد، أشبه بالمسارح القديمة أكثر منها بدور العرض الحديثة، وكانت الجدران نظيفة لكن متآكلة بفعل الزمن، تصميم المكان يحمل طابعًا غريبًا، وكأنه قد خرج من حقبة أخرى.

عند شباك التذاكر، وقف رجل عجوز، يرتدي زيًا يشبه زي الكمسري القديم، لم يكن يبتسم، كانت ملامحه مقتضبة، عيناه تحدقان فيَّ بنظرة تحمل الكثير من التساؤلات.

قلت له: - تذكرتان لفيلم "سيكو سيكو".

نظر إليَّ بملامح تحمل شيئًا من الاشمئزاز، لم أفهم سببه.

بقي صامتًا للحظات، كأنه يحاول استيعاب ما قلته. ثم قام بقطع تذكرتين، لكنني لاحظت أنهما لا تحتويان على اسم الفيلم أو أي تفاصيل أخرى، فقط رقم القاعة.

ابتسمتُ بارتباك، دفعت ثمن التذكرتين، وأخذت هدى معي إلى الداخل.

- ما بال هذا الرجل؟!

سألتني هدى باستغراب، فرفعت كتفيّ، غير قادر على تفسير ذلك، فقلت:

- لا أدري حقًا!

واصلنا السير حتى وصلنا إلى باب القاعة، وكان هناك رجل آخر يقف عند المدخل، من ذلك النوع الذي يُرشد الزوار إلى أماكنهم.

لفت انتباهي أن وجهه بدا غريبًا، كأنه مصنوع من البلاستيك! لكنه على الأقل ابتسم.

أخذ التذاكر دون أن ينطق بكلمة، ثم قادنا إلى الداخل.

كانت القاعة مظلمة تمامًا... والصمت يخيّم على المكان.

هل يعقل أنه لم يأتِ أحدٌ غيرنا؟!

أضاء الرجل مصباحًا صغيرًا، فظهر أمامنا مشهد غريب...

فراغٌ تام، كراسٍ مهترئة، مغطاة بالغبار، وكأن أحدًا لم يجلس عليها منذ مائة عام!

جلسنا في المكان الذي حدده لنا، رغم أنني لم أفهم كيف استطاع قراءة الأرقام شبه المتآكلة على الكراسي.

أخرجت ورقة نقدية بقيمة عشرين جنيهًا، كما أفعل عادةً في السينما، ومددتها للرجل، لكنه رفع حاجبه ونظر إليّ بدهشة أربكتني.

ثم ابتسم ابتسامة مقتضبة ومضى، دون أن يأخذها!

- هل كنت بحاجة لأن أقدم له أكثر من ذلك؟!

سألت هدى، فهزّت رأسها وقالت ببساطة:

- تجاهل الأمر، لا تُعطِه أهمية!

لكنني لم أستطع تجاهله...

فقد تذكرت الفراغ الذي يحيط بنا، والذي لا يتناسب مع موعد عرض الفيلم، الذي لم يبقَ على بدايته سوى ربع ساعة تقريبًا.

نظرت إلى هدى، وسألتها...

دخل الزوجان، لم تكن ملامحهما واضحة بسبب الإضاءة الضعيفة. لكن ملابسهما بدت غير متناسقة تمامًا، مزيجًا بين العصور المختلفة، وكأنهما خرجا من حقبة ضائعة بين الماضي والمستقبل.

المرأة ترتدي قبعة قديمة وفستانًا كلاسيكيًا، لكنها تحمل ساعة حديثة، أما الرجل، فقد ارتدى بدلة رسمية، لكن حذاءه أشبه بحذاء عسكري طويل، غير متناسق إطلاقًا مع مظهره العام.

التفتا نحوي فجأة، وكأنهما لاحظا أنني أحدّق فيهما، شعرت بالارتباك وأبعدت وجهي بسرعة، لا أعلم لماذا يثيرني وجودهما بهذا الشكل الغريب، لكن الأمر لم ينتهِ هنا.

دخل الرجل مرة أخرى، هذه المرة مع مجموعة من الشباب، نظرت إليهم، ووجدت أن ملابسهم غريبة أيضًا، وأصواتهم وهم يتحدثون كانت غير مفهومة، وكأنها لغة غير مألوفة.

حاولت أن أستمع إلى حديثهم، لكنني لم أستطع فهم أي كلمة، هل يتحدثون بلهجة غير معروفة، أم أنني فقط متوتر إلى درجة تجعلني أشعر أن كل شيء غريب؟

نظرت إلى هدى، لكنها كانت مركزة تمامًا على الشاشة، مندمجة مع الإعلانات التي تسبق الفيلم، غير منتبهة إطلاقًا لما يحدث حولنا، وكأن الأجواء طبيعية بالنسبة لها.

همست لها متسائلًا، نظرت إلى الشاشة وأشارت إلى ترجمة أسفل الإعلانات، كانت مكتوبة بلغة غريبة لم أتعرف عليها، مما زاد من شعوري بأن هناك أمرًا غير طبيعي.

دخل الرجل مجددًا، ثم ثلاثة آخرون، وبعد ذلك سبعة، ثم عشرين، حتى امتلأت القاعة بالكامل، لكنني كنت متأكدًا أن وجوه الجميع لم تكن طبيعية على الإطلاق.

ملامحهم كانت أشبه بالبلاستيك، مثل الرجل الذي أرشدنا إلى مقاعدنا، أطرافهم بدت طويلة قليلًا، ليس بشكل مفرط، ولكن بطريقة تجعلهم يبدون مختلفين عن البشر العاديين.

حاولت التركيز على أحدهم وهو يتحدث، كنت أبحث عن دليل يُثبت أنني أتوهم فقط، لكنني لاحظت أن كلامهم غير مفهوم تمامًا، وكأنهم يتحدثون بلغة أخرى غير لغتنا.

شدّتني هدى فجأة، الفيلم بدأ، كنت على وشك أن أخبرها بأن شيئًا ما ليس على ما يرام، لكنهم كانوا في كل مكان الآن، ولم أعد أملك فرصة للحديث معها.

بدت هدى سعيدة لأن القاعة امتلأت، قالت بحماس إن الحضور كان كبيرًا جدًا، لكنني لم أكن أشاركها الشعور، كنت متأكدًا أن شيئًا غريبًا يحدث هنا.

عمّ الصمت القاعة بالكامل، كنت مركزًا على من يحيطون بنا أكثر من تركيزي على الفيلم نفسه، كل تفكيري كان منصبًا على الوجوه التي أراها حولي.

طه الدسوقي ألقى بإحدى النكات، ضحكت هدى فورًا كما توقعت، لكن بعد ثوانٍ فقط، سمعت ضحكة غريبة، جاءت من كل من في القاعة في اللحظة نفسها.

كانت ضحكة جماعية، بنفس الصوت، بنفس النبرة، كأنها مؤثر صوتي تمت إضافته إلى الفيلم، لكنها كانت متأخرة قليلًا، مما جعلني أدرك أن هناك سرًا وراء ذلك.

هم ليسوا طبيعيين، إنهم لا يفهمون الحوار، إنهم فقط يقرأون الترجمة، هذا ليس تصرفًا طبيعيًا لمن يشاهد فيلمًا، هناك شيء مريب يحدث هنا، لكنني لا أعرف ما هو.

هدى قالتها وهي تضحك بسخرية، لكنني لم أشاركها ابتسامتها، بلعت ريقي، متوترًا، وأردت أن أخبرها بأن تصمت، بأن ننهض ونغادر فورًا، لكنني لم أستطع.

شيء خاطئ يحدث هنا، والذين يحيطون بنا ليسوا طبيعيين، لم أفهم ماهيتهم، لكنني كنت متأكدًا أن هذا المكان غير آمن، فكرت أن أسحبها وأخرج، لكننا سنكون مكشوفين.

على الأقل وسط الحشد نحن متخفون، لكن فجأة، ضحكوا مرة أخرى! لم أتصور يومًا أن أخاف من صوت ضحك، لكن هذه الضحكة لم تكن بشرية، كانت متناسقة بشكل غير طبيعي.

الفيلم أصبح بالنسبة لي فيلم رعب وليس كوميديا، كل ثانية تمر أشعر وكأنني محاصر، وكل ما أريده الآن هو أن ينتهي بأسرع وقت ممكن، وأن تتوقف هدى عن الحديث.

كانت مستمتعة بالفيلم، تستمر في سؤالي عن المشاهد، وكأنها لا ترى ما يحدث، فجأة، صمت الفيلم للحظة، لكنها كانت قد تحدثت للتو، مما جعل صوتها بارزًا.

وفي نفس اللحظة، استدارت القاعة بأكملها نحوها، وجوههم ظهرت بوضوح في ضوء الشاشة، تماثيل بشرية، بشرات غير طبيعية، عيون حادة ومتسائلة، كانوا جميعهم ينظرون إلينا.

- كريم، لماذا ينظرون إلينا بهذه الطريقة؟!

أمسكت بيدها وضغطت عليها بقوة، "اسكتي"، قلت لها دون صوت، كنت أراقبهم، متجمدًا في مكاني، أنتظر أي رد فعل منهم، كل ثانية كانت تمر كأنها دهر.

وفجأة، صرخ عصام عمر في الفيلم، فاستداروا مجددًا نحو الشاشة، أخذت نفسًا عميقًا، وأدركت أنني كنت أحتبسه طوال الوقت، هذه كانت فرصة.

اقتربت من هدى وهمست في أذنها: "لا تتحركي، ولا تتكلمي حتى ينتهي الفيلم،" هزت رأسها بصعوبة، كانت مرعوبة، وارتعاشها جعلني أشعر بمزيج من الغضب والرعب معًا.

أريد أن ينتهي الفيلم الآن، أريد أن أخرج من هنا، مرت دقائق طويلة وكأنها سنوات، حتى انتهى الفيلم أخيرًا، حمدت الله في سري، وراقبت الجميع وهم يخرجون.

لكن لم يخرجوا جميعًا...

عند باب القاعة، وقفت مجموعة منهم، كما لو أنهم تذكروا شيئًا فجأة، ثم استداروا ببطء، ونظروا إلينا، ثم بدأوا يتقدمون نحونا، جسدي تجمد بالكامل.

لقد كانوا أول من نظر إلينا عندما تكلمت هدى بصوت عالٍ، ثلاثة رجال، امرأتان، وطفلة صغيرة ذات ملامح غريبة مثلهم تمامًا، كانوا وحدهم الآن في القاعة معنا.

وقفوا أمامنا، الشاشة لا تزال مضيئة، مما سمح لنا برؤية وجوههم بوضوح، كانوا يحدقون بنا بنفس النظرة المرعبة التي رأيتها سابقًا، هدى أمسكت بي بقوة، جسدها يرتعش.

لا مجال للهرب، لا مجال للخروج، أحد الرجال أخذ خطوة نحونا، ثم تبعه الآخر، اقتربوا أكثر، شعرت بأن هذه هي النهاية، لم أجد حلاً سوى أن أتمتم بالشهادتين.

لقد انتهينا...

"وقابلتك أنت، لقيتك.. غيرت كل حياتي.."

كان ذلك الصوت ينبعث من المقاعد الأمامية على اليمين، بدا كأنه نغمة هاتف محمول، وبعد لحظات، سُمع صوت شخص يضغط على أزرار كثيرة بسرعة وهو يتمتم بخفوت:

لا.. لا، اصمت، أرجوك، اصمت..

استمر الهاتف في الرنين، فالتفت الجميع إلى مصدر الصوت، ونحن كذلك، فإذا بشاب يجلس هناك، شاب يرتدي نظارة وقميصًا بسيطًا، بدا كأنه واحدٌ منا، ليس من أولئك الأشخاص الغريبين الذين جلسوا من قبل.

بدا عليه الاحترام والبساطة، وربما دخل المكان بالخطأ مثلنا، وحين شعر أن هناك أمرًا غير طبيعي، التصق بمقعده على أمل أن يمر كل شيء سريعًا.

اختفت نغمة الهاتف، ورفع الشاب رأسه ليتأكد من أن أحدًا لم يلاحظ، لكن المفاجأة أنه وجد كل الأنظار موجهة نحوه، عندها، وقف في مكانه، عدّل نظارته، وصرخ فجأة من شدة الخوف، وقرر أن يهرب.

لكنهم، الخمسة أشخاص، انقضوا عليه كما تنقض الوحوش على فريستها، سمعت صوت تحطُّم عظام، وتمزُّق لحم، وصراخ مدوٍّ! كان صوتًا يفطر القلب، ويفجّر الرعب في النفس.

في تلك اللحظة، أمسكت بيد هدى التي كانت عيناها مفتوحتين على آخرهما، تحدق في الشاب برعب، فشدَدتها وسحبنا أنفسنا نحو الجهة الأخرى من القاعة.

كان جسدي يرتعش بالكامل، وهدى بالكاد كانت تستطيع الوقوف، كنت أحملها شبه كاملة، كان صراخ الشاب يفتك بي، يمزق أعماقي، لكن، ماذا كنت سأفعل له؟! لم أكن وحدي، كنت خائفًا عليها أكثر من خوفي على نفسي.

اقتربنا من باب القاعة، لا أصدق أننا قد نخرج، لكن قبل أن نصل، فوجئت بجسد صغير يقف أمام الباب، كانت الطفلة الصغيرة واقفة هناك، تعترض طريقنا، قلبي انقبض، هل ستناديهم؟! يا رب، لا تفعل! ظلت تراقبنا في صمت، ثم نظرت ناحية عائلتها، التي كانت منشغلة في التهام الشاب البائس.

وفجأة، سمعت صوت نحيب هدى، كانت تبكي وتنهار، وقد أدركت هي الأخرى أن هذه قد تكون النهاية، لحظتها، نظرت الطفلة نحوها بنظرة غريبة، هل كانت.. شفقة؟!

ثم، بعد لحظات من التفكير، ابتعدت عن الباب، اقتربنا بحذر، خائفين من أن يكون في الأمر خدعة، لكنها تركتنا نخرج! نظرت إليها بعين ممتنة، واندفعنا خارجًا من الباب بأقصى سرعة ممكنة.

وما إن خرجنا من قاعة السينما، حتى سمعت صوت هدى وهي تنهار، لم تستطع أن تحبس دموعها أكثر، ركضنا مسافة طويلة حتى وجدنا مكانًا نجلس فيه، فجلست تبكي وترتعش كليًا.

قالت وهي تبكي:

ما هذا يا كريم؟! من هؤلاء؟! أجبني!

لم أجد إجابة، لم أكن أعلم ماذا أقول لها، ولم أكن أفهم أصلًا ما الذي حدث، لطالما كنت مقتنعًا بأن الكون غامض، وبأن هناك أشياء كثيرة لا نفهمها وتخرج عن حدود علمنا الضيق، لكنني لم أتوقع يومًا أن أواجه شيئًا كهذا.

بحثت كثيرًا عن الشاب، وتوقعت أن أراه في نشرات الأخبار أو أقرأ عنه في الصحف، لكن لم يحدث شيء من هذا، قلبي يتألم لأجله، ورغم أنني أشعر بالذنب لأنني تركته خلفي، إلا أنني ممتن له إلى الأبد، فقد أنقذنا بطريقة ما.

ونصيحتي لأي شخص يفكر في الذهاب إلى السينما، أو أي مكان عام، أن يسأل عنه أولًا، وإن لم يجد أحدًا يعرفه، فالأفضل ألا يغامر، وخاصةً لو كانت تلك السينما في مصر القديمة.

قصة لكل جيل
قصة لكل جيل
تعليقات